في ذكرى رحيل جمال إسماعيل.. مسيرة فنية حافلة صنعتها البساطة والصدق

الفنان جمال إسماعيل
الفنان جمال إسماعيل

في مثل هذا اليوم 18 ديسمبر من عام 2013، ودّع الوسط الفني الفنان جمال إسماعيل، أحد الوجوه الهادئة التي صنعت حضورها بالإخلاص والعمل الجاد، ونجح في ترك بصمة مميزة في تاريخ الفن المصري. 

ورغم أن أدواره غالبًا ما ابتعدت عن البطولة المطلقة، فإن حضوره ظل قويًا وراسخًا في وجدان الجمهور، بفضل أداء صادق وقدرة خاصة على التعبير دون صخب.
 

الميلاد والنشأة داخل أسرة فنية

وُلد جمال الدين إسماعيل حسن في 20 فبراير عام 1933 بمحافظة الشرقية، ونشأ في أسرة فنية عريقة؛ فوالده هو الموسيقي إسماعيل أفندي، وشقيقه الأكبر الموسيقار الكبير علي إسماعيل، أحد أبرز الأسماء في تاريخ الموسيقى التصويرية المصرية. 

هذا المناخ الفني أسهم في تشكيل ميوله الإبداعية منذ الصغر، وجعل الفن جزءًا أصيلًا من تكوينه.
 

الدراسة بين رغبة الأسرة وحلم الفن
 

رغم شغفه المبكر بالتمثيل، لم يكن الطريق ممهدًا أمامه، إذ واجه معارضة أسرية، خاصة من والدته، ما دفعه إلى الالتحاق بكلية الآداب قسم التاريخ بجامعة عين شمس احترامًا لرغبة الأسرة، وحصل على الليسانس عام 1957. وفي الوقت ذاته، نال بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1956، بعدما شجعه الفنان زكي طليمات على الالتحاق بالمعهد عقب مشاهدته له في عرض مسرحي أثناء دراسته الثانوية.

 

الفنان جمال إسماعيل 
الفنان جمال إسماعيل 

البدايات المسرحية والعمل بالإسكندرية

بدأ جمال إسماعيل مشواره الفني بالالتحاق بالفرق النموذجية بالمسرح الشعبي التابع لمصلحة الفنون، ثم عُيّن مفتشًا للمسرح بمحافظة الإسكندرية عام 1958، حيث أشرف على عروض الفرق المدرسية والجامعية، وأخرج حفلات الشركات، كما ساهم في تكوين فرق فنية بعدة محافظات.
 

قرار الانتقال إلى القاهرة والمغامرة بالمستقبل

تزوج بالإسكندرية وعاش بها فترة من حياته، ومع انطلاق التليفزيون المصري عام 1960، قرر الانتقال إلى القاهرة. ولم يكن القرار سهلًا، خاصة بعد رفض طلب نقله، ما اضطره إلى تقديم استقالته والمغامرة بمستقبله الوظيفي من أجل الفن، في خطوة عكست إيمانه العميق برسالته الفنية.
 

الانضمام إلى فرقة التليفزيون وبداية التألق
 

بعد انتقاله إلى القاهرة، واجه جمال إسماعيل العديد من الصعوبات، قبل أن ينجح في الانضمام إلى فرقة التليفزيون بعد اجتيازه عدة اختبارات، ليبدأ مرحلة جديدة من مسيرته إلى جانب جيل مميز من الفنانين، من بينهم أبو بكر عزت، عزت العلايلي، رشوان توفيق، وإبراهيم سعفان. وشارك في مسرحية «شيء في صدري»، ثم توالت أعماله المسرحية التي تنوعت بين التراجيديا والكوميديا.
 

أبرز الأعمال المسرحية في مسيرته

 

قدّم جمال إسماعيل عددًا كبيرًا من الأعمال المسرحية المهمة، من أبرزها: «المفتش العام» عام 1961، «الطرطور» عام 1966، «سيدتي الجميلة» عام 1969، «اديني عقلك» عام 1973، «ربع دستة أشرار» عام 1979، «سحلب» عام 1991، و«ورد الجناين» عام 2011.

الفنان جمال إسماعيل 
الفنان جمال إسماعيل 

«حسب الله بعضشي».. الدور الأيقوني
 

ويُعد دوره في مسرحية «سيدتي الجميلة» بشخصية «حسب الله بعضشي» من أبرز أدواره على خشبة المسرح، حيث جمع بين التمثيل والغناء والاستعراض، وقدم شخصية لا تزال عالقة في ذاكرة المسرح المصري حتى اليوم.
 

السينما.. حضور مؤثر رغم قلة البطولة

رغم محدودية أدوار البطولة المطلقة في السينما، استطاع جمال إسماعيل أن يترك بصمة واضحة منذ ظهوره الأول بمشهد صامت في فيلم «حبيب الروح» عام 1951، ثم شارك في عدد من الأفلام، من بينها: «العقلاء الثلاثة» عام 1965، «مجرم تحت الاختبار» عام 1969، «مدرسة المراهقين» عام 1973، «قضية عم أحمد» عام 1985، «الرجل الذي عاش» عام 1997، «طباخ الريس» عام 2008، و«توم وجيمي» عام 2013. كما كان له حضور لافت في مسلسلات الأطفال بفضل صوته المميز وأدائه القريب من وجدان الصغار.

 

الدراما التليفزيونية.. المساحة الأوسع للتألق

مثّلت الدراما التليفزيونية المساحة الأوسع لتألق جمال إسماعيل، إذ شارك في عشرات الأعمال التي تنوعت بين الاجتماعي والتاريخي والديني، من بينها: «عذراء مكة» عام 1961، «ليالي الحلمية» عام 1987، «بين القصرين» عام 1987، «شموع لا تنطفئ» عام 1991، «حتى لا يغيب القمر» عام 1994، «الضوء الشارد» عام 1998، «أم كلثوم» عام 1999، «قضية رأي عام» عام 2007، «سلسال الدم» عام 2013، و«مكان في القصر» عام 2014، ليصل رصيده الفني إلى أكثر من 490 عملًا متنوعًا.
 

ملامح أسلوبه الفني واختياراته
 

تميّز الراحل بقدرته على تجسيد أدوار الأب والجد والمعلم، وأتقن أدوار الخير والشر دون مبالغة، معتمدًا على البساطة والصدق. ولم يكن يسعى إلى البطولة، بل كان يختار أدواره بعناية، مؤمنًا بأن القيمة الحقيقية للفنان تكمن في جودة الأداء لا في مساحة الظهور.

 

الرحيل ووصية الوداع

في فجر يوم الأربعاء 18 ديسمبر 2013، رحل الفنان جمال إسماعيل عن عمر ناهز 80 عامًا، بعد صراع استمر ستة أشهر مع مرض القلب، ولم يتمكن من استكمال مشاهده الأخيرة في مسلسل «مكان في القصر»، الذي أهداه صناع العمل لروحه تقديرًا لمسيرته. وقد أوصى بأن يُدفن في مقابر عائلة والدته بالقرب من مقام السيدة نفيسة، لما كان يحمله من حب خاص لآل البيت، ليرحل بهدوء يشبه مسيرته، تاركًا إرثًا فنيًا غنيًا يؤكد أن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى صخب، وأن الممثل الصادق يظل حاضرًا في ذاكرة جمهوره مهما كانت مساحة الدور.

تم نسخ الرابط