بليغ حمدي:ذكرى رحيل "عبقري الألحان" و رحلة من الأغاني إلي الإبتهالات الدينية

في مثل هذا اليوم، الثاني عشر من سبتمبر، مرت ذكرى رحيل الموسيقار العبقري بليغ حمدي، الذي ترك خلفه إرثًا موسيقيًا ضخمًا يمثل علامة فارقة في تاريخ الأغنية العربية ، لم يكن بليغ مجرد ملحن بارع، بل كان مبدعًا استثنائيًا، امتلك القدرة على التعبير عن أعمق المشاعر الإنسانية من حب وحزن ووطن، ونقش اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الموسيقى.
رحلة فنان بدأت من حي شبرا
ولد بليغ حمدي في حي شبرا بالقاهرة في السابع من أكتوبر عام 1931، ونشأ وسط أسرة بسيطة ، ظهرت موهبته الموسيقية مبكرًا، حيث أتقن العزف على العود في سن التاسعة ،في سن الثانية عشرة، حاول الالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى، لكن سنه الصغيرة حالت دون ذلك ، تابع دراسته في مدرسة شبرا الثانوية، بالتوازي مع دراسته لأصول الموسيقى في مدرسة عبد الحفيظ إمام، ثم تتلمذ على يد درويش الحريري.
التحق بليغ بكلية الحقوق، وفي الوقت نفسه التحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى (معهد الموسيقى العربية حاليًا) بداية مسيرته الفنية كانت في الغناء، عندما أقنعه محمد حسن الشجاعي، مستشار الإذاعة المصرية، باحتراف الغناء، وسجل بالفعل أربع أغنيات للإذاعة ومع ذلك، كان شغفه الأكبر هو التلحين، وقدم أول ألحانه للمطربة فايدة كامل في أغنيتين هما "ليه لأ" و"ليه فاتني ليه".
بداية الشهرة ولقاء العمالقة
تعرف بليغ على الفنان محمد فوزي، الذي منحه فرصة التلحين لكبار المطربين والمطربات من خلال شركة "مصر فون" التي كان يملكها فوزي ، في عام 1957، قدم أول ألحانه لعبد الحليم حافظ في أغنية "تخونوه"، وكانت هذه الأغنية بداية تعاون فني مثمر بينهما.
ارتبط اسم بليغ حمدي بأعظم الأصوات العربية، فمن أم كلثوم التي لحن لها 11 أغنية، مثل "حب إيه"، و"سيرة الحب"، و"فات الميعاد"، و"ألف ليلة وليلة"، إلى عبد الحليم حافظ الذي قدم له ألحانًا تعكس مشاعر الشباب وصدقهم، مرورًا بوردة الجزائرية التي ربطته بها قصة حب وفن لا تُنسى ، كما لحن لنجاة، وصباح، وشادية، وعزيزة جلال، وميادة الحناوي، وسميرة سعيد، وهاني شاكر، وفايزة أحمد، والعديد من الأصوات المصرية والعربية.
ابتهالات النقشبندي ورفض أغنية لأم كلثوم
تميز بليغ بكونه مجددًا في الموسيقى العربية، فلم يقتصر على الألحان العاطفية التي أبدع فيها، بل لحن العديد من الأغاني الوطنية والأناشيد الدينية كان من أبرز أعماله في هذا المجال تعاونه مع الشيخ النقشبندي في ألبوم "مولاي" ، جاء هذا التعاون بناءً على اقتراح من الرئيس السادات، ورغم تخوف النقشبندي في البداية، فقد أبهره بليغ بألحانه الروحانية، وأسفرت الجلسة عن تلحين 9 ابتهالات للشيخ ، وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققه مع أم كلثوم، إلا أنه كان يتمتع بشخصية مستقلة، فرفض تلحين أغنية "هسيبك للزمن" لكوكب الشرق، رغم أن الجميع كان يسعى للتلحين لها.
محنة الغربة والعودة الأبدية
في عام 1984، واجه بليغ محنة قاسية، حيث اتهم في قضية مقتل الفنانة الصاعدة سميرة مليان، التي سقطت من شرفة شقته قضى بليغ أربع سنوات متنقلاً بين باريس ولندن ودول أخرى، قبل أن تتم تبرئته من القضية في عام 1989، وتُقيد ضد مجهول عاد إلى وطنه بعد أن حُسمت القضية لصالحه.
رحل بليغ حمدي عن عالمنا في الثاني عشر من سبتمبر عام 1993، لكن ألحانه بقيت حية، تنبض بالصدق والعاطفة في وجدان الملايين ، ففي كل مرة نستمع فيها إلى أغنية من ألحانه، ندرك أن الرجل لم يرحل، بل ما زال حاضرًا بموسيقاه التي لا تعرف النسيان قدم بليغ أكثر من 2000 أغنية، وترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن العربي.